كان الدافع لقرآتي هذا الكتاب هو تعرفي على المؤلف "يونغ" من كتاب " أنا فيلليني " للمخرج الإيطالي فديركو فيلليني ، الطريقة التي صوره بها زادتني حبا للتعرف على عالَم يونغ.
فيذكر فيلليني أنه كان لكتابات يونغ فضل عظيم عليه في بعض أفلامه حيث شجعه على ولوج عالم الأحلام وتدوينها وتأكيد فكرة استهلت بها مذكراته وهي " الأحلام هي الحقيقة الوحيدة " اعتبره فيلليني بمثابة الأخ الأكبر له وهو طالما ما تمنى أن يكون له أخ يكبره يأخذ بيديه في هذا العالم الكبير.
بالنسبة للكتاب
الكتاب شرح أصيل متعلق بالطب النفسي، يتحدث في فصوله عن الوعي واللاوعي ، اللاوعي الشخصي والجمعي وبنية الذات وتحقيق الذات أيضا.
عَالَم يونغ يعطي أولوية كبيرة لعَالَم الأحلام والاشعور وكيف أن اللاوعي هو تعويض للوعي وليس بنقيضه
وكيف أن طاقة الوعي محدودة مقابل ما يكمن داخلنا ، ويؤكد أن اللاشعور ليس بطاقة " التفكير " أو العاقلة وإن أعدناها هكذا سيكون ضربا من العبث ، بل هي غريزية ولها وظائف متمايزة، وهي لا تفكر كما نفترض من التفكير ولكنها تخلق صورا تجيب على الوعي وتوسع من إدراكه.
من الأفكار المثيرة بالنسبة لي هو شرحه وربطه لللاوعي الجمعي بالمثيولوجيا القديمة وكانت هذه النقطة بالنسبة لي إجابة على فكرة لطالما عملت داخلي على ان المريض النفسي أحيانا يمتلك معرفة أشبه بكَشف ستار لا نعلمه نحن العقلاء ولكن اختص به هو نتيجة لمرضه فكان اكثر إطلاعا على طاقة الحياة المتطرفة وضرب خاص من المعرفة لا يستطيع أن تحتويه عقولنا بحال من الأحوال.
وكانت هذه النقطة تحديدا ما امتعني عندما شرح بعض الأمثلة لمثل هؤلاء المرضى الذين امتازت أفكارهم بحكي أساطير للوهلة الأولى نظن فيها الجنون المحض ولكن هذا الخطأ يرجع لنقص معرفتنا نحن وأن هذه المشاهدات لها سندها وأوجدت بالفعل ويؤكد أن ليس لثقافة المريض قبل مرضه دخل بها ناتج عن إطلاعه ولكن هناك في لاوعي البشرية جميعا جزء مرتبط بالمثيولوجيا يقبع بعيدا تحت تراكمات من لاوعي شخصي ومكبوتات ووعي شخصي وجمعي ساعد نمو الوعي مع الوقت بطمثها ويساعد المرض النفسي على تفعيل مثل تلك الصور وردها للسطح. وهذا ما امتعني كثيرا لإثبات بعض الصحة في طريقة تفكيري تجاه المرض النفسي.
يتطرق أيضا لما أسماه " الإنتفاخ النفسي " الذي أطلقه على كل من النفسيتين واحدة التي تتسم بالغرور والأخرى التي تتسم بأنها دائما ما تقلل من شان نفسها. في المجمل لتبرير هذا اللفظ فهو ناتج عن "أن أشياء مكبوتة من اللاوعي إلتحقت بالوعي مما أدى لتوسيع الشخصية أي الإنتفاخ " .. بالنسبة للطبيعة الأولى من الشخصية فلا تحتاج للشرح ووصف بها السياسيين ورجال الدولة والذين يعدون وظيفتهم هو امتياز لشخصيتهم.
اما ما يحدث للثانية فهو يتحدث عن ضآلة شأنه إلا إنه لا يصدقها في الواقع ، وينهض فيه اعتقاد يتحدى مؤهلاته غير المعترف بها فيصبح شديد الحساسية تجاه أقل اعتراض ويبرر نفسه دائما بحظه العاثر وانه يساء فهمه وبهذه الطريقة يحضن كِبرا مرضيا وعجرفة داخليا.
تحدث عن شخصيتين الأولى من تدعي بأنها نبي والثانية تلميذ النبي ووجد أن الثانية لا تحمل نفس الخطورة النفسية كما للاولى لأن الثانية ترمي العوائق جميعها على كاهل النبي بينما هي تعمل على حفظ الرسالة
وممكن أن تعد هذه دراسة في نفسية الأتباع ، كل من يتبع شخصية بالضرورة ويمجدها.
فطبعا يلتصق التلاميذ بعضهم ببعض لا عن محبة بل لتثبيت عقائدهم عن طريق جو من الإتفاق الجماعي ، وهم أيضا شاعرون بخطورة موقفهم ومعتزين به حيث انهم حاملين مسئولية حراسة هذا الكنز الذي وجده نبيهم أو معلمهم ولا يتحرجون في أن تصل بهم إلى اضطهاد الآخر كنوع من الواجب المقدس والضرورة الأخلاقية لحماية هذا الكنز وجلب أنصار لهذا المعلم/النبي وبالرغم من أن هؤلاء التلاميذ يختفون خلف شخصية هادئة رائقة إلا انهم في الجمع ينفجرون فجاة نتيجة لإنتفاخهم بوجود الأخر.
ويعد المسئول عن هذا الإنتفاخ هو اللاوعي الجمعي حيث تعاني إستقلالية الفرد للأذى فيجد التعويض عن فقدان الحرية في الإلتصاق بالجمع. ويجب أن لا نغفل أن حياة هذا النبي يجب أن تكون مليئة بالآلآم والأحزان حتى يجد في تهليل تلاميذه تعويض !
الكتاب غزير بأفكاره وبأوجه إفادة عدة للمهتمين بالنفس البشرية ويعطي أهمية كبيرة جدا لعالم الأحلام الخاص بنا فهو دائما له تفسير ، اثبت ان هذه الأحلام في بعض الأحيان تعد مؤشر سابق للإصابة بمرض نفسي ما لكن لا داعي للجزع فصاحبه لن يدرك الأمر بل يلاحظه الخبير المختص
من المأخذ على الترجمة هو تسميتها غير المألوفة للمصطلحات الأكبر مما أربكني
كالوعي = أطلقت عليه الواعية
اللاوعي = الخافتة
البدائية = البدئية